السبت، 27 يناير 2007

من الإعلام التقليدي إلى الإعلام الاجتماعي.. المسيرة والموقع من النظرية الاتصالية

بدأ مصطلح الإعلام الاجتماعي Social Media يطرق مسامعنا منذ 2010 كمصطلح ينتمي لأرضية علوم الإعلام لا كمصطلح ينتمي مساحة خدمات الإنترنت ومسيرتها التواصلية التي بدأت منذ 2003 مع إرهاصات ظهور المرحلة الثانية للإنترنت المعروفة بـ ويب 2.0 أو Web 2.0. ومنذ 2004، كان مصطلح الإعلام الجديد New Media يشق طريقه إلى حيز الوجود؛ فارضا نفسه على مباحث العلوم الاتصالية والإعلامية، مؤذنا بتغيير ثوري في نماذج الاتصال التي قامت على أكتاف الثورة الصناعية؛ منذ اخترع يوحنا جوتنبرج آلة الطباعة في 1436 وحتى التطورات التقنية التي أعقبت تدشين تقنية البث اللاسلكي في 1895 على يد ماركوني، وما أدى إليه ذلك من ظهور البث الإذاعي 1906، ثم البث التليفزيوني الأولي المتكامل في 1929.

في هذه الورقة سوف نستكشف خصائص كل من الإعلام الاجتماعي والإعلام الجديد مقارنة بالإعلام التقليدي Traditional Mass Media. ولا نعني هنا أننا سنعرف كل هذه المراحل الثلاثة من الإعلام تعريفا تفصيليا؛ فهذا أمر يحتاج لمجلدات من الكتب. لكننا سنكتشف الفارق بين هذه المراحل/المسارات الإعلامية الثلاث عبر معيارين أساسيين؛ هما:
 
أ – معيار ملكية الوسيلة الإعلامية.
ب – معيار طبيعة عملية البث.
 
وتقصد الورقة أن تقول إن هذه المراحل قد لا تكون مراحل بالمعنى الدقيق للكلمة، فعنصر التتابع التاريخي قد يكون فارقا في تحديد المراحل الزمنية ووضع حد لكل مرحلة مقارنة بالاخرى، وهو ما جعلنا نفضل استخدام مصطلح مسارات إعلامية؛ لأن استحداث ظاهرة الإعلام الجديد لم يعن بأي حال من الأحوال التأثير سلبا على وجود وحضور الإعلام التقليدي، كما لم يؤثر استحداث ظاهرة الإعلام الاجتماعي على ظاهرتي الإعلام التقليدي والإعلام الجديد. فكل هذه المراحل تجاورت شأنها في ذلك شان روح العصر الصناعي/عصر السوق الذي يقر بالمنافسة ويرفض الاحتكار القائم على نفي الآخر واستبعاده.
 
وبعد هذه التوضيحات المبدئية المهمة نتساءل: ما هي الفوارق بين هذه المراحل الإعلامية من زاوية هذين المعيارين؟
 

المرحلة الأولى: الإعلام التقليدي: 
نقصد بالإعلام التقليدي هنا تلك المساحة الإعلامية التي انتشرت منذ تاريخ اختراع آلة الطباعة وحتى يومنا هذا متمثلة في الصحف والمجلات والإذاعة والتليفزيون والسينما. فكل هذه الأدوات تنتمي للمرحلة التقليدية من الإعلام.
 
والمتأمل لهذه الوسائل جميعها يجد أنها تحتاج لإمكانات عالية، من حيث توفير المحتوى الجماهيري الضخم الذي يكفي صفحات الصحف وفترات البث الإذاعي أو التليفزيوني، كما أنها تحتاج لنفقات إصدار ضخمة، سواء الصحف التي تحتاج مقرا وعاملين ومطبعة وأوراق وأحبار وتقنية طباعة بحسب ثمن الخدمة الإعلامية التي تسديها الوسيلة لجمهورها. كما أن أجهزة الراديو تحتاج لتقنية بث معقدة، واستئجار شبكات تقوية، فضلا عن نفقات التشغيل الأخرى من استديو وغيرها. وقل مثل ذلك على شبكات البث التليفزيوني والفضائي.
 
هذه الخاصية جعلت الإعلام التقليدي موضوعا للاحتكار، يحتكره كل من له قدرة على امتلاك بنيته التحتية، سواء أكان مصدر تلك القدرة هو حيازة رأس المال اللازم؛ أو حيازة القدرة على اتخاذ القرار السياسي الذي يوجه الموارد لامتلاك مثل هذه الوسائل. وترتب على هذا أن اتسمت هذه الوسائل بالتحيز لأفكار وآراء حائزيها وملاكها؛ بما في ذلك المحتوى ذي الطبيعة التعددية كان يتم انتقاؤه واختياره بدقة حتى لا تشهد وسائط الإعلام التقليدية خروقا للسياسة التحريرية تؤدي لتسرب محتوى لا يرضى عنه مالك الوسيلة.
 
وهذه الخاصية كانت تدفع دوما من لا رأي لهم لابتكار وسائل لتوصيل آرائهم، وهو ما دفع بعض وسائط الإعلام التقليدية للاعتماد على الإعلانات كوسيلة لتمويل الوسيط الإعلامي التقليدي الذي يعبر عن توجهاتهم، وبخاصة في تلك البيئات التي تتسم بتدني مستويات الدخول لدى القاعدة الجماهيرية العامة؛ مما يؤدي للتقليل من فرص الاشتراك أو الشراء. ويمكن القول بأن هذه السمة كانت الدافع الرئيسي لتطوير مسار الإعلام الجديد.
 
ومن ناحية أخرى، وعلى صعيد طبيعة البث، كان الإعلام التقليدي يعتمد على منهجية في البث عرفت بين الخبراء بالبث من طرف واحد One to Many، وهذه الخاصية تعني أن المجتمع البشري ينقسم إلى قسمين؛ القسم الأول: وهو القلة القليلة إلى حد الندرة التي تحوز ركائز القوة الاجتماعية السياسية أو الاقتصادية التي تتولى إنتاج المحتوى وبثه، والقسم الثاني وهو الغالبية الساحقة من مكونات هذا المجتمع التي تمثل الجمهور المحتمل للبث الإعلامي. بمعنى آخر، انقسم المجتمع الإنساني بين قلة تتولى بث/صب المحتوى الإعلامي من جهة، ومن جهة أخرى هناك بقية المجتمع الذين يتم غسل أدمغتهم عبر صب المحتوى المنتج في أذهانهم عبر وسائل الإعلام المختلفة.
 
وفي هذا الإطار أصبحت النظريات المعيارية/الأخلاقية في علوم الاتصال محض حبر على ورق بما تتضمنه من قيم التوازن والمصداقية والمهنية، وبدأ التحيز يكون السمة الأساسية لوسائل الإعلام التقليدية، وبدا خيار التلاعب بالعقول كخيار أمثل لتوجيه آراء وتصورات المجتمعات نحو تبني الرؤية التي يريدها مالك الوسيلة الإعلامية.
 

المرحلة الثانية: الإعلام الجديد: 
نقصد بالإعلام الجديد New Media هنا ذلك المسار من مسارات التطور الإعلامي الذي بدأ بصورة خاصة بعد تطوير البنية التقليدية للإنترنت باتجاه ويب 2.0.
 
وويب 2.0 هو مصطلح إنترنتي ظهر في عام 2003، يشير إلى تلك التقنيات الجديدة التي أدت إلى تغيير سلوك شبكة الإنترنت. وبرغم أن الخبراء لا يؤمنون بوجود تعريف دقيق لـ "ويب 2.0". إلا أنهم متفقون على أنها تعبر ببساطة عن مجموعة من التطبيقات المعتمدة على خصائص الإنترنت، والتي يمكن تحديد خصائصها في سماحها للمستخدمين باستخدام برامج تعتمد على المتصفح/الموقع فقط. لذلك هؤلاء المستخدمين يستطيعون امتلاك قاعدة بيناتهم الخاصة على الموقع بالإضافة إلى القدرة على التحكم بها، كما أنها تسمح للمستخدمين بإضافة محتوى لتلك البرامج، وتسمح للمستخدمين بالتعبير عن أنفسهم واهتماماتهم وثقافتهم. وتزود هذه التطبيقات المستخدمين بأنظمة تفاعلية تسمح بمشاركتهم في تفاعل اجتماعي. وهي أخيرا تسمح للمستخدمين بإنشاء قواعد بيانات تشاركية وتسمح لهم بتعديل قواعد البيانات هذه من خلال إضافة وتغيير أو حذف المعلومات.
 
وبمعنى آخر، فإن الإنترنت الجديدة مثلت منصة Platform أو أنتجت بنية تحتية جديدة؛ هذه البنية تتيح لكل مستخدم من مستخدمي شبكة الإنترنت أن يضخ ما يراه من محتوى على هذه الشبكة. وبهذا المعنى أيضا، يمكننا أن نعرِّف ببساطة مسار "الإعلام الجديد" بأنه تطور في بنية الإنترنت بصفة خاصة، يتيح لمستخدمي هذه الشبكة بأن يكونوا طرفا في عملية التدفق الإعلامي؛ بدلا من كونهم محض متلقين للرسائل الإعلامية التي يرسلها مالكو وسائل الإعلام التقليدية. وتلك هي القيمة الأساسية للإعلام الجديد.
 
فالإعلام الجديد هو مرحلة أو مسار من مسارات تطور الوسائط الإعلامية يسمح لكل من لديه القدرة على الوصول لشبكة الإنترنت بأن يملك الحق في بث المحتوى على الإنترنت؛ سواء أكان هذا المحتوى معلومة أو رأيا، وسواء أكان نصا مكتوبا أم صورة أم ملفا صوتيا أم ملف فيديو أم عرضا تقديميا Presentation. وتعددت المواقع التي تعبر تتيح نشر الأشكال المختلفة؛ فظهر موقع YouTube وأقرانه للسماح بنشر ملفات الفيديو والصوت، وظهر موقع Flickr ونظرائه ليسمحوا بنشر الصور، وظخرت مواقع التدوين مثل Word Press وأترابه لتسمح بنشر النصوص.. إلخ.
 
وهكذا، فإنه من زاوية المعيار الأول الذي حددناه لمعرفة الفارق بين هذه المسارات الإعلامية، وهو معيار حيازة الوسيلة الإعلامية، فإن امتلاك إمكانية بث المحتوى على الإنترنت لم يعد حكرا على من يحوز ركائز القوة الاقتصادية أو السياسية، بل صار متاحا لكل من لديه القدرة على استثمار البنية التحتية التي وفرتها الإنترنت للجميع.
 
وبهذا المعنى، فالإنترنت الجديدة أدت إلى كسر احتكار البث الإعلامي. وبالنظر لطبيعة الإنترنت التي تتيح إمكانية تجاور الخطابات المختلفة وتتيحها للجميع، فإن ظاهرة التحيز الإعلامي أو المجتمع الإعلامي المغلق قد اختفت لتحل محلها ظاهرة المجتمع المفتوح الذي يملك فيه الجميع القدرة على عرض المعلومات والحقيقة بقدر ما يملك فيه الجميع القدرة على التعرض للاتجاهات الإعلامية المختلفة التي يعرض كلا منها وجها من أوجه الحقيقة؛ مما جعل المجتمع أكثر وعيا وقدرة على الإحاطة بكل ما يتاح من معلومات من مصادر متنوعة.
 
لكن على صعيد ثان، ووفق المعيار الثاني من المعايير التي نقارن بها بين مسارات الإعلام المختلفة، فإن هذا المسار من مسارات الإعلام لا يزال يشترك مع المسار التقليدي في أنه ينتمي للقالب الاتصالي الذي أسميناه One to Many. فبرغم إتاحة القدرة على البث للجميع؛ إلا أنه بالنسبة للقائم بالاتصال فإنه يتصور أنه يقوم بالبث بينما الجميع يستقبل رسائله الاتصالية. حيث لا إمكانية للمناقشة والتفاعل برغم أن بنية الإنترنت الجديدة تتيح التفاعل بقدر ما تتيح إمكانية البث. وبرغم أن كل وسائل البث أضافت إمكانية التعليق على المحتوى؛ إلا أن كل أصحاب المدونات أو أصحاب ألبومات الصور بات من حقهم أن يقرروا السماح بالتعليقات أو رفضها. وبعضهم بدأ يلجأ لأسلوب ترهيب قوي يعتمد على البذاءة في حال قرر إتاحة الفرصة للتعليق؛ مما كرس انتماء هذا المسار لظاهرة One to Many. وهذا ما أدى لظهور المسار الإعلامي الثالث: مسار الإعلام الاجتماعي.
 

المرحلة الثالثة: الإعلام الاجتماعي: 

نقصد بالإعلام الاجتماعي ذلك المسار الإعلامي الذي تطور عبر شبكات التواصل الاجتماعي ليتيح للجميع القدرة على التفاعل والدخول في حالة حوارية القصد منها مناقشة الآراء والاتجاهات التي ينشرها البعض على منصات شبكات التواصل الاجتماعي، للوصول إلى رؤية أكثر صدقية وأكثر توازنا حول الأخبار، والوصول لدرجة أكثر عمقا على صعيد تبادل الآراء والأفكار.
 
ذكرنا من قبل؛ إبان معالجتنا لمسار الإعلام الجديد أنه ينتمي لاتجاه One to Many في معالجة بث عملية بث المحتوى، وذكرنا أن منصات الإعلام الجديد حاولت أن تتيح إمكانية التعليق لتتيح لجمهرة مستخدمي الإنترنت تجاوز ظاهرة التدفق المحدود One to Many إلى ظاهرة تدفق جماعي Many to Many؛ إلا أن أصحاب المدونات وألبومات الصور وقنوات الفيديو رفضوا أو طوروا آليات دفاعية للحيلولة دون حدوث تدفق متوازن للمعلومات والآراء. فكان أن أقامت منصات الإعلام الاجتماعي هذا التوازن بان جعلت من حق أي فرد في نفس الشبكة أن ينتج المحتوى ويبثه، كما اتاحت للجميع القدرة على أن ينتجوا محتوى موازيا أو مخالفا ويقوموا ببثه، بل وأتاحت لكلا الفريقين أن يدخلا للتعليق والتعقيب على محتوى أحدهما الآخر، وأنتجت آلية لمنع التعليقات من أن تأخذ مسارا فظا من السباب أو البذاءة.
 
ويمكن اعتبار مسار الإعلام الاجتماعي مسارا مثاليا من مسارات الإعلام التفاعلي. وذلك استنادا للاعتبارات الآتية:
 
أ – من حق كل من له القدرة على الدخول للإنترنت أن يقوم بالبث أو بالبث اللاحق (التعليق).
ب – من حق كل من له القدرة على الدخول للإنترنت أن يقوم بإنتاج المحتوى من أي نوع وتبادله.
ج – تتعدد وسائط التعبير عن الرأي من الرسومات التعبيرية وحتى إنتاج الفيديو والنص والصورة والصوت في وضع يتساوى فيه الجميع مع بعضهم؛ بما في ذلك صاحب الأطروحة الأصلية. فصاحب الاطروحة الأصلية لا يزيد في حقوقه من البث عن حقوق من له الرغبة في التعقيب على محتواه.
د – التفاعل والتعليقات تؤدي لحدوث حالة حوار أو على الأقل حالة تطور لخطاب كل فريق له وجهة نظر مخالفة.
 
وتقبلوا فائق التقدير،،